من أين جاء اسم أورشليم، ومن أطلقه على قدسنا الحبيبة؟ كيف يُعقل أن يعبث العبرانيّون بتاريخ المنطقة وبالأرقم والآثار الموجودة في باطن الأرض، بينما لا تعلو أصواتنا لنكشف للعالم جريمتهم بحق التأريخ؟ ما مصادرنا المعتمدة في دراسة هذا التاريخ؟ روايتهم المدسوسة متى سندحضها؟ وما مدى ومقدار الفكر التوراتي الذي خالطها؟ علماؤنا ومفكّرونا يطرحون بين أيدينا الدراسات والشواهد، فهلا نحاول أن نصل معهم إلى الحقيقة الأكيدة؟ في ظل احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009، يقام بشكل دوري مكثّف في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطيني، فرع دمشق، فعاليات عدة، تتنوع بين الدراسات والبحوث، إلى جانب أنشطة إبداعية في الشعر والقصة. وفي مجال الدراسات تم استضافة السيد: أ.د محمد بهجت القبيسي، حيث قدم محاضرة مهمة قيمة في تاريخ القدس برؤية علماء الآثار، بعنوان «القدس في الآثار والكتابات المصرية والكنعانية والآرامية». ابتدأ أ.د القبيسي بالقول: إن التاريخ القديم قد كتب وأُرخ حسب النص التوراتي الذي هو بعيد كل البعد عما يوجد من آثار خلّفها أصحاب الأرض الحقيقيون في باطنها، وذكر أمثلة عن ملامح الفكر التوراتي الذي أخذنا عنه، والذي هو في الواقع ليس إلا ابتداعاً لاهوتياً إسرائيلياً، ليس في النقوش ما يؤيده البتة.
وقد بيّن أنه حتى اسم أورشليم الوارد على حد زعمهم في نصوص اللعن الفرعوني «وهي عرف شعبي» لا أثر له في الكتابة الفرعونية حين دراسة النقوش، وبيّن: شام يم- الشاميين قراءة غير مقبولة.
أُ شام «وم» مثل التنوين = شام فإذا كانت أورشليم، أين الراء؟ وأين الميم؟
وعاد إلى نصوص مارغريت شتاينر ليثبت عدم وجود الاسم، وذكر أدلة عدة تؤكد ما يقول.
إذاً الاسم القديم للقدس ليس أورشليم، إنما هذا اسم من ابتداع النص التوراتي وحتى الخريطة الموجودة في آخر الكتاب المقدس، التي تبيّن أن الهيكل يقع تحت المسجد الأقصى بكل حدوده، إنما هي خريطة مفتعلة، ومن رسمها هو إسحق نيوتن 1725م «صاحب نظرية الجاذبية المعروفة» وليس كما يزعمون أنها رُسمت ق.م.
وبيّن أيضاً كيف أنهم أوردوا ذكر اسم إسرائيل في نقش فرعوني، وأن «يازيريار» تعني إسرائيل، لقد سيطرت على 9 أقواس، توجد بـ9 إشارات وكلمة أقواس تعني 9 شعوب ومناطق جغرافية وتسمى التاسوع، كما السبعة عندنا، اسم تحنو ليبيا، الحاتي «الحثيين» أو «الحطين»، كنعان «سوريا» بسقراني «عسقلان»، جزر «ينعم»، يازير «يازور فلسطين» وهي منطقة شرق تل أبيب، يار «يارين لبنان»، خال أو خار «جرار».
وأظهر أنه لم يجد الأقواس التسعة كلها بل ثمانية وأنهم أزاحوا «الفاء» من النقوش، والفاء هي الضمير المتصل للفرد بكتابة السيم المصرية، ودلنا مما سبق على التزييف والدجل الإسرائيلي.
وذكر عن نقش سلوان، معرّجاً على أصل كلمة أور وهي تعني قديماً حسب عرف بلاد ما بين النهرين النور والإضاءة، وأنه ليس لدينا في الأثر الكنعاني الآرامي كلمة أور.
لقد سار بنا من دليل إلى آخر مستشهداً بولفتسون وهيروديت، وعرج على كذبهم بشأن نفق سلوان حيث حرّفوه ليصبح حذقيان وذكروا اسم النبي زكريا رغم عدم وجود أثر له، وأرانا كيف أنهم يطمسون ويتلاعبون بالأرقم والآثار والحضارة، حتى يجعلوا الأرض تخبرنا عنهم، وهم الكاذبون.
لقد كانت محاضرة قيّمة ورائعة، ولم يُغفل أ.د القبيسي فيها أن يذكر جهود الجمهورية العربية السورية في تشكيل لجنة تقصّ ودراسات لكنه أضاف: إن مثل هذه الأبحاث تحتاج إلى تمويل ودعم وكادر أكبر، وأكد لنا في النهاية: «أن الأرض لم ولا تتكلم العبرية مطلقاً» وأنها تنتظر أصحابها.
وختم أ.د القبيسي بقوله: بإذن الله، وبكل اطمئنان نحن راجعون إلى القدس العربية وفلسطين العربية لنا.
ونحن نقول بمناسبة الاحتفالية: يا قدسنا الحبيبة نحن عائدون!