الثوم .. خلاف طبي حول قدرته للوقاية من السرطانتتوصل الدراسات الطبية مجددا إلى نتيجة مفادها أن تناول الإنسان للثوم ليس وسيلة مضمونة الفائدة للوقاية من أنواع الإصابات السرطانية.
وهذه النتيجة تأتي بعد تأكيدات المراجعات الطبية السابقة لنتائج مماثلة حول عدم ثبوت فائدة تناول الإنسان للثوم كوسيلة لخفض احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب، أو لضبط اضطرابات الكولسترول، أو معالجة ارتفاع ضغط الدم بصفة فاعلة، أو في نجاح التعامل العلاجي مع مرض السكري أو الوقاية من أي منها.
كما تأتي بعد حديث الأوساط الطبية المعنية بمراجعة وتقييم وسائل ما يعرف علميا بوسائل العلاجات التكميلية والاختيارية، التي تسمى مجازا بـ«الطب البديل»، حول عدم ثبوت جدوى تناول الثوم لعلاج حالات مرضية أخرى شتى.
وما يعيد طرح الثوم في الأوساط الطبية مرة أخرى، هو نتائج الدراسة الصادرة في عدد يناير الماضي من المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية The American Journal of Clinical Nutrition للباحثين من جامعة إويها للنساء Ewha Women"s University في سيول بكوريا الجنوبية.
ومعلوم أن الطب الشعبي في دول شرق آسيا، وكثير من مناطق العالم، يتبنى مبدأ أن للثوم فوائد صحية.
والجديد في الدراسة الكورية هو توصل الباحثين إلى أنه لا جدوى لتناول الثوم في الوقاية من الأمراض السرطانية.
إشكالية الثوم
تمثل إشكالية «تناول الثوم»، كوسيلة علاجية أو وقائية، نموذجا للبحث الطبي عما فيه فائدة حقيقية لوقاية أو علاج الناس من أمراض متفاوتة الأهمية على سلامة أرواحهم وتمتعهم بالعافية والصحة.
ويعود طرح الثوم بالأصل في المضمار الطبي إلى تلك الموروثات التي جرى تناقلها فيما بين أجيال حضارات مختلفة.
وإن كان من المنطقي وجود الدواعي الاضطرارية لبحث البشر عما يخدم صحتهم ويعالج أمراضهم، ومن المفهوم تمني الكثيرين منهم أن تكون وسائل ذلك مما هو متوفر حولهم ويتناولونه ضمن الطعام اليومي، فإن الأمر الذي لا يعرف بالضبط حتى اليوم هو مقومات تقديم «تناول الثوم» كوسيلة لتحقيق غايات علاجية أو وقائية.
ولكن ربما تكون «الخبرة» هي السبب، أو تلك الصفات «النفاذة» و«اللاذعة» لطعم الثوم، أو هي تلك الاعتقادات بتلازم الطعم غير المحبب والتأثير العلاجي الناجع.
ولكن أيا كان السبب فإننا في طب العصر الحالي ورثنا مقولات تطرح «تناول الثوم» وسيلة مفترضة لعلاج كثير من الأمراض أو للوقاية منها.
وإزاء هذا الوضع، لا بد أن يخضع الطب الحديث وسيلة «تناول الثوم» للتمحيص والاختبار الطبي في جوانب جدواه العلاجية أو الوقائية من قائمة الأمراض التي يطرح «تناول الثوم» لها.
وإلى هذا الحد من مراحل القصة، لا يوجد ما يثير الاستغراب أو التعجب. إلا أن الأمر بعد ذلك مر بمرحلتين لنتائج البحث العلمي في «تناول الثوم».
واتضح أن ثمة اختلاف فيما بين النتائج المبدئية للدراسات الطبية القديمة، وبين الدراسات الأحدث.
وما يميز بين هذه الدراسات والبحوث هو دقة إتباع الدراسات الأحدث لأصول ومنهجية البحث العلمي في جوانب الإعداد والتطبيق وقراءة النتائج، وذلك مقارنة بالعشوائية وقلة أعداد المشمولين في تلك الدراسات وقصر مدة متابعة تأثيرات تناولهم للثوم.
وبدلا من تلك الحماسة والتشجيع الذي اتسمت به نتائج الدراسات القديمة، ظهر فتور واستهجان علمي واضحان لدعاوى الزعم بأن لتناول الثوم تلك الفوائد «الكثيرة» و«الحقيقية» في الجوانب الوقائية أو العلاجية لأمراض شتى.
ولأن ما يطرح «تناول الثوم» لعلاجه أو للوقاية منه هي أمراض ذات مستوى مهم في التأثيرات على صحة الناس وحياتهم، كأمراض ارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول وشرايين القلب والسكري وأنواع السرطان، فإن من الضروري أن تكون الوسيلة العلاجية أو الوقائية ذات تأثيرات إيجابية حقيقية وواقعية، وأن تكون متدنية في احتمالات تسببها بأي آثار سلبية جانبية.
والواقع أن الثوم لم يكن هو المستهدف الوحيد في هذا الأمر، بل كانت أيضا بذور الكتان والجوز والنبيذ الكحولي وزيت الزيتون والشاي والقهوة والشوكولاته وغيرها.
وفي حين تبينت ملامح تأثيرات إيجابية لبذور الكتان والجوز وزيت الزيتون على جانب خفض الكولسترول، فإنه لم تتبين للثوم تلك التأثيرات الإيجابية في كل ما طرح له.
كما أنه لم يثبت أن تناول عصير العنب الكامل، أي مع البذور، يقل في الجدوى الوقائية، من أمراض شرايين القلب، عما يقال في النبيذ الكحولي.
دراسة علمية كورية
وفي يناير الماضي، عرض الباحثون من سيول بكوريا الجنوبية، نتائج مراجعتهم العلمية لمجمل الدراسات الطبية السابقة، التي بحثت في جانب الجدوى المحتملة للثوم في تقليل نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية.
وقال الدكتور أوران كيوان، الباحث الرئيس في الدراسة: «يريد الجمهور أن يعتقد بأن ثمة فائدة لتناول الثوم في تقليل الإصابات بالأمراض السرطانية، إلا أن الأدلة العلمية حتى اليوم بعيدة جدا للتوصل إلى مثل هذه النتيجة، في جانب الثوم والسرطان».
ووفق ما تم نشره، في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، قام الباحثون الكوريون بإجراء دراسة تحليلية لتجميع نتائج 19 دراسة طبية تم نشرها في السابق ضمن المجلات العلمية، التي بحثت في شأن تناول الثوم لتقليل الإصابات بالأمراض السرطانية.
واستخدم الباحثون نظام المراجعة التقييمية نفسه الذي تعتمد إدارة الغذاء والدواء الأميركية استخدامه في عملية التقييم العلمي للأدلة، التي يستدل بها على فائدة تناول غذاء ما للوقاية من أحد الأمراض.
وباستخدام هذا النظام العلمي، توصل الباحثون إلى أنه لا توجد أدلة علمية إيجابية يعتمد عليها، تربط فيما بين تناول الثوم وبين تقليل الإصابات بسرطان المعدة أو الثدي أو الرئة أو بطانة الرحم. وبالتالي فإن الثوم، على حد قول الباحثين، هو غذاء «من غير المحتمل بدرجة عالية في التأكيد»، للوقاية من هذه الأنواع للأمراض السرطانية.
كما توصل الباحثون إلى أن جدوى الثوم محدودة جدا في الربط ما بين تناول الثوم وتقليل الإصابة بسرطان البروستاتا أو المريء أو البلعوم أو الفم أو القولون أو المبايض أو الكلى.
وبالتالي، وعلى حد قول الباحثين، فإن تبني تناول الثوم في تقليل الإصابة بأي من هذه الأنواع للأمراض السرطانية هو أمر «مشكوك فيه وغير أكيد بدرجة عالية».
وأقترح الباحثون على من لا يزالون يعتقدون بأن ثمة جدوى لتناول الثوم في الوقاية من الأمراض السرطانية إجراء مزيد من الدراسات الطبية في هذا الجانب. والسبب، كما تقدم، هو أن الأدلة العلمية المتوفرة إلى اليوم لا تؤيد هذا التوجه في الاستخدام لتلك الغايات.
وكان تعليق الدكتورة كولين دويل، مديرة التغذية والنشاط البدني في المجمع الأميركي للسرطان بأتلنتا، في ولاية جورجيا الأميركية، من أقوى وأدق التعليقات العلمية على نتائج الدراسة الحديثة، إذ قالت: إن «المحصلة النهائية هي أنه بالتأكيد لا توجد أدلة كافية حول إدعاءات جدوى تناول الثوم لمنع الإصابة بأي نوع من أنواع الأمراض السرطانية».
واعترفت الدكتورة دويل، بأنها من عشاق تناول الثوم، إلا أنها أضافت: «لأحدنا أن يتناول الثوم، مقليا أو مهروسا أو مسلوقا، ولن يتسبب بضرر لنا، لكننا نحتاج إلى أدلة علمية أقوى لإثبات أنه فعال ضد السرطان» واستطردت قائلة: «إننا نعلم أن الأشخاص الذين يتناولون وجبات تحتوي مزيجا من الخضار والفواكه، الطازجة، هم أقل إصابة بالأمراض السرطانية».